ترديد كلمة "أنا مسلم غير متشدد" ... ديدن من؟


الأمور التي فيها طرفان و وسط كثيرة في حياة الناس.

ومثل هذه الأمور، لا يُعتبر نفي الإنسان عن نفسه لأحد طرفيها دليلاً على اعتدال منهجه.

بل لا بد من نفي الطرف الآخر أيضاً.

خذ قضية الإنفاق كمثال: الطرفان هما الإسراف والبخل، والوسط هو أن يكون بين ذلك قواماً.

حين نصف إنساناً ما بأنه غير مسرف، فهذا لا يدل على اعتداله لأنه قد يكون بخيلاً، فلا بد من نفي الاثنين معاً حتى تكون مدحاً تتحقق فيه صفة الاعتدال، فنقول: إنه لا هو مسرف ولا هو بخيل.

بعد هذه المقدمة أقول:

عند الاحتكاك بالناس، قد تقابل من يتفاخر عليك بقوله: "أنا مسلم غير متشدد".

كأنه يظن أن نفي التشدد عن نفسه كاف لإثبات اعتداله.

وغفل أو تغافل عن نفي الطرف الآخر عن نفسه في هذا النوع من القضايا وهو هنا التمييع أو التفريط أو سمه ما شئت.

مثل هؤلاء استغلوا موجة الهجمة على المتشددين وتبرؤ الأمة - بعلمائها وأفرادها - من التشدد والغلو وأهله، استغلوا ذلك في تحويل تفريطهم بكثير من شرائع الإسلام إلى وسيلة مدح فأصبحوا يتمادحون بتفريطهم والذي يعبرون عنه بالسلامة من التشدد.

هذا أحد الدوافع لترديد بعض الناس لهذه الكلمة.

وهناك دوافع أخرى.

بعض الناس يتحرج من أن ينظر إليه الناس على أنه إنسان ملتزم !!!

وذلك تحرجاً من أن يُعد منهم بسبب قناعته بالصورة السلبية عن الملتزمين.

وبعضهم يريد إثبات مرونته وتحرره لمن حوله خصوصاً إذا كان في وسط متحرر، فكأنه يريد أن يقول: مع كوني مسلماً ومحافظاً على شعائر الإسلام، لكن خذوا راحتكم معي فأنا مسلم غير متشدد !!!

وبعضهم يريد ركوب الموجة، فبغض النظر عن مدى فهمه للتشدد ومتى يكون، حين رأى الناس و وسائل الإعلام تذم التشدد أراد هذا أن يكون متفاعلاً مع ما يجري حوله، فقال ذلك.

تماماً كما يفعل المفتون بالحضارة حين ينفي عن نفسه التخلف والرجعية حتى إذا كان لا ناقة له ولا جمل في التحضر.

أياً كانت الدوافع، فإن نفي الإنسان عن نفسه الالتزام بدينه أو بعضه تحت مظلة نفي التشدد لا يُعد إنجازاً يستحق الفخر بحال من الأحوال.

وهذا هو الذي يقصده كثير من هؤلاء المتفاخرين بذلك.

أخيراً أقول:

كلمة "أنا مسلم غير متشدد" لا تكون مفخرة حتى تُكملها بقولك: "وأنا كذلك مسلم غير مُميع أو مفرط".

ودعوى الوسطية في الدين إذا صدرت من مسلم عامي - والذي مثله يجهل طرفي الإفراط والتفريط في القضايا المتنازع فيها - فإنها تكون مدعاة للشك.

لأن الإنسان لن يعرف الوسط في جميع قضايا الدين حتى تكون عنده خلفية شرعية كافية في كل قضية متنازع فيها فيعرف طرفي الإفراط والتفريط فيها.

وهذا مستبعد على الإنسان العامي.

وفي كثير مما نشاهد اليوم، تكون دعوى الوسطية والبعد عن التشدد مجرد دعوى من ناس مفرطين في بعض أو كثير من جوانب الشرع قد ثقلت عليهم هذه الجوانب، فوجدوا في ترديد هذه الكلمة حجة يلجمون بها من يلومهم على تقصيرهم.

ليست هناك تعليقات: