مجرد ستور مرخاة ... فما أسهل السقوط! وما أصعب الامتحان!!



عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً.

وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مُفتَّحة.

وعلى الأبواب سٌتورٌ مرخاة.

وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تَعوَّجوا.

وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك! لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه!

فالصراط الإسلام.

والسوران حدود الله.

والأبواب المفتحة محارم الله.

وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله.

والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم
". رواه البخاري

فوائد الحديث:

<1> رسم صورة في ذهن المسلم للصراط المستقيم الذي يدعو المسلم ربه في كل صلاة أن يهديه إليه. وهذه الصورة هي: طريق مستقيم محصور بين سورين يسير المسلم فيه إلى الله لينتهي به إلى الجنة.

وعلى طول الطريق أبواب مُفتّحة في كل من السورين.

و هذه الأبواب هي محارم الله وهي المعاصي بأنواعها من كبائر وفواحش وبدع و ...الخ.

و فوق الصراط من يراقب المسلم، فإذا حاول فتح باب معصية وفتنة نهاه وزجره، و هذا الداعي هو واعظ الله في قلب كل مسلم. وعلى مدخل الصراط داعٍ (وهو كتاب الله) يدعو الناس إلى دخول الصراط أي دخول الإسلام.

<2> الصراط المستقيم هو الإسلام بعقائده و شرائعه.

<3> كل الناس يسير في طرق معوجة إلا المسلم المستقيم. فالكافر لا صراط له أصلاً ليسير عليه. بينما المسلم العاصي يسيرداخل الصراط تارة وخارجه تارة أخرى، فهو متقطع في سيره متعوِّج فيه.

<4> "وعلى الأبواب ستور مرخاة" (أي ستائر متدلية على الأبواب المؤدية إلى محارم الله):

هذه الكلمة البليغة تدل على حقيقة لا يتفطن لها المتذمرون من كثرة الفتن: وهي أنه من طبيعة الامتحان الذي فرضه الله علينا أن المعاصي سهلة المنال،

فالأبواب التي تؤدي إلى محارم الله مفتوحة و ليست موصدة، ولا يحجب المسلم عن رؤية ما بداخلها إلا هذه الستور، فليس بينه وبين المحارم إلا أن يرفع ستراً من هذه الستور فينظر إلى ما ورائه، وبرفعه له يكون قد عرّض نفسه للفتنة،

وعندها قد يخرج عن الصراط،

إما إلى معصية،

و إما إلى شبهة أوبدعة،

وإما إلى شك أوكفر.

فما يعانيه المسلم اليوم من سهولة الوصول إلى محارم الله ليس شيئاً جديداً، بل هو من طبيعة الصراط الذي أمر الله عباده بالاستقامة عليه – اختباراً منه لعباده. فليس هذا عذر للمسلم في السقوط، فإن الاختبار قد صُعِّب لأن الجائزة غالية، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقال:"حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات".

و قد استُحدث في هذا الزمان من وسائل الاتصال ما جعل هذه الحقيقة - وهي سهولة المعصية ورقة الحاجز بيننا وبينها- واضحة أكثر من أي وقت مضى.

فمثلاً: المتصفح على الشبكة العنكبوتية؛ إذا دفعه الفضول ليبحث عن أقوال المخالفين للإسلام وشبهاتهم فما هي إلا ضغطة زر حتى تُحشد له طائفة عظيمة من مواضيعهم في صفحة واحدة، فتدخل الشبهات في قلبه وعندها قد لا يدري كيف يخرج منها، ذلك أنه قد غامر بإيمانه و دخل عالماً موبوءاً بلا حصانة من علم شرعي ويقين راسخ.

وإذا سوّلت له نفسه البحث عن صورالخنا والزنا؛ فالأمر لا يتجاوز ضغطة زر، فإذا بألوان الفواحش و المشاهد الإباحية بين يديه.

وقد لا يتطلب الأمر سوء نية، فقد تأتي الفتن إلى بريد المسلم و يفتحها بحسن نية، فإذا هو وجهاً لوجه مع باب مفتوح على مصراعيه من محارم الله !!!

عندها يتحرك واعظ الله في قلبه ليصرخ فيه: "ويحك! لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه!".

وسقوطه في هذه الفتنة أو نجاته متوقف على فتح الرابط أوعدمه !!! ·

ومن سهولة المعصية ما نجده من سهولة التجارة المحرمة، فما أكثرها على الشبكة وما أسهل المشاركة فيها.

و برسالة قصيرة على هاتف نقّال يمكن للمسلم أن يقامر ويدخل في باب من أبواب القمار.

فالأمر مجرد ستر رقيق يفصل بيننا و بين المداخل االمؤدية إلى محارم الله.

فما أسهل السقوط ..... وما أصعب الامتحان.

<5> من نعمة الله على عباده أن جعل واعظاً في قلب كل مسلم ينبهه حين تحدثه نفسه بكشف السترالذي بينه وبين محارم الله. فصرخة هذا الواعظ: " ويحك! لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه (أي تدخله)" ينبغي أن تتردد في أذن كل من يدعوه الفضول أو الشهوة أو الشبهة إلى فتح ستر من ستور محارم الله.

لأنه وبكل بساطة: من أجابه نجا و من عصاه هلك وخرج عن الصراط.

<6> المعاصي بـريـد الكفر: فبقدر ما يخرج الإنسان عن الصراط من هذه الأبواب بقدر مايقترب من طرق الكفر، حتى يبلغ به الأمر إلى أن يخرج من الصراط بالكلية أي يخرج من الإسلام.

<7> من فتح ستراً فافتتن وخرج عن الصراط، فليس بالضرورة أن تكون هذه نهايته، لأن باب التوبة مفتوح إلى أن يحتضرأو تخرج الشمس من مغربها، فالعودة إلى الصراط ممكنة متى ما وُجدت التوبة.

<8> دُعاة المعصية هم في الحقيقة قُطّاع طرق، يقطعون على المسلم السائر إلى الله طريقه، و يسحبونه إلى طرقهم الغويّة. كما قال الله تعالى:"وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله". فلا يستطيع بصحبتهم الاستقامة على الصراط.

<9> لا يخلو مسلم من تجربة في دخول إحدى هذه الأبواب، لأن "كل بني آدم خطاء و خير الخطاؤون التوابون" كما في الحديث. فليس مستبعداً أن يدخل المسلم في إحدى هذه الأبواب في ساعة غفلة، لكن لا يُقبل منه أن ينقطع عن السير إلى الله وذلك بعدم توبته وخروجه من باب المعصية الذي دخله.

<10> قد يكون المسلم ضعيفاً عند باب بعينه، فكلما مر عليه في سيره وقف عنده، وتذكرما فيه من لذات وشهوات، حتى يدخله، ثم تذهب اللذة، و تبقى الحسرات والندم، فيتوب، و يعود إلى الصراط لمواصلة طريقه إلى الله، حتى إذا مر عليه مرة أخرى، وقع له ما وقع في المرة السابقة، وهكذا هو ما بين سقوط وعودة،

ولعل هذا هو الذي قال فيه النبي – صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:"أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي.ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي." رواه البخاري ومسلم.

ليست هناك تعليقات: